فصل: أثر العرف في دلالة الصّيغة على المقصود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


صِيغَة

التّعريف

1 - الصّيغة في اللّغة من الصّوغ مصدر صاغ الشّيء يصوغه صوغاً وصياغةً، وصغته أصوغه صياغةً وصيغةً، وهذا شيء حسن الصّيغة، أي حسن العمل‏.‏

وصيغة الأمر كذا وكذا، أي هيئته الّتي بني عليها‏.‏

وصيغة الكلمة‏:‏ هيئتها الحاصلة من ترتيب حروفها وحركاتها، والجمع‏:‏ صيغ، قالوا‏:‏ اختلفت صيغ الكلام‏:‏ أي تراكيبه وعباراته‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ لم نعرف للفقهاء تعريفاً جامعاً للصّيغة يشمل صيغ العقود والتّصرّفات والعبادات وغيرها، لكنّه يفهم من التّعريف اللّغويّ ومن كلام بعض الفقهاء أنّ الصّيغة هي الألفاظ والعبارات الّتي تعرب عن إرادة المتكلّم ونوع تصرّفه، يقول ابن القيّم‏:‏ إنّ اللّه تعالى وضع الألفاظ بين عباده تعريفاً ودلالةً على ما في نفوسهم، فإذا أراد أحدهم من الآخر شيئاً عرّفه بمراده وما في نفسه بلفظه، ورتّب على تلك الإرادات والمقاصد أحكامها بواسطة الألفاظ ولم يرتّب تلك الأحكام على مجرّد ما في النّفوس من غير دلالة فعل أو قول‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - العبارة‏:‏

2 - في اللّغة‏:‏ عبّر عمّا في نفسه‏:‏ أعرب وبيّن، والاسم العبرة والعبارة، وعبّر عن فلان تكلّم عنه، واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير أي يبيّنه، وهو حسن العبارة أي البيان‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ ‏"‏ عبارة ‏"‏ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

ب - اللّفظ‏:‏

3 - في اللّغة‏:‏ اللّفظ أن ترمي بشيء كان في فيك، ولفظ بالشّيء يلفظ‏:‏ تكلّم، وفي التّنزيل العزيز‏:‏ ‏{‏مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏‏.‏

ولفظ بقول حسن‏:‏ تكلّم به، وتلفّظ به كذلك‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الحكم الإجمالي

4 - الصّيغة‏:‏ ركن في كلّ الالتزامات باعتبارها سبباً في إنشائها باتّفاق الفقهاء‏.‏

ما يتعلّق بالصّيغة من أحكام

تنوّع الصّيغة بتنوّع الالتزامات

5 - لمّا كانت الصّيغة هي الدّالّة على نوع الالتزام الّذي ينشئه المتكلّم فإنّها تختلف تبعاً لاختلاف الالتزامات، وبيان ذلك فيما يلي‏:‏

أ - بعض الالتزامات تتقيّد بصيغة خاصّة لا يجوز العدول عنها ومن أمثلة ذلك الشّهادة عند جمهور الفقهاء‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏إثبات 10‏)‏‏.‏

مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

ومن ذلك أيضاً صيغ الأيمان‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏أيمان‏)‏، ومصطلح‏:‏ ‏(‏لعان‏)‏‏.‏

ومن ذلك صيغة عقد النّكاح عند الشّافعيّة والحنابلة إذ لا بدّ في الإيجاب والقبول من لفظ الإنكاح أو التّزويج‏.‏

ولا يشترط ذلك عند الحنفيّة والمالكيّة وزاد الشّافعيّة في العقود الّتي تتقيّد بصيغة معيّنة السّلم، فقالوا ليس لنا عقد يختصّ بصيغة إلاّ شيئين‏:‏ النّكاح والسّلم‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ زواج ‏(‏نكاح، وسلم‏)‏‏.‏

6- ب - هناك التزامات لا تتقيّد بصيغة معيّنة بل تصحّ بكلّ لفظ يدلّ على المقصود كالبيع والإعارة‏.‏

ويتّفق الفقهاء في الجملة على أنّ العقود - غير عقدي النّكاح والسّلم - لا يشترط فيها صيغة معيّنة، بل كلّ لفظ يؤدّي إلى المقصود يتمّ به العقد‏.‏

فالصّيغة الّتي تؤدّي إلى تسليم الملك بعوض بيع، وبدون العوض هبة أو عطيّة أو صدقة، والصّيغة الّتي تؤدّي إلى التّمكين من المنفعة بعوض إجارة، وبدون العوض إعارة أو وقف أو عمرى، والصّيغة الّتي تؤدّي إلى التزام الدّين ضمان، والّتي تؤدّي إلى نقله حوالة، والّتي تؤدّي إلى التّنازل عنه إبراء وهكذا‏.‏

ومن نصوص الفقهاء الدّالّة على ذلك ما يأتي‏:‏

جاء في فتح القدير في باب البيع‏:‏ لو قال البائع‏:‏ رضيت بكذا، أو أعطيتك بكذا، أو خذه بكذا، فهو في معنى قوله‏:‏ بعت واشتريت، لأنّه يؤدّي معناه، والمعنى هو المعتبر في هذه العقود، وكذا لو قال‏:‏ وهبتك أو وهبت لك هذه الدّار بثوبك هذا فرضي فهو بيع بالإجماع‏.‏ وفي الحطّاب‏:‏ ليس للإيجاب والقبول لفظ معيّن، وكلّ لفظ أو إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم به البيع وسائر العقود‏.‏

وفي نهاية المحتاج‏:‏ ليس لنا عقد يختصّ بصيغة واحدة إلاّ النّكاح والسّلم‏.‏

وفي كشّاف القناع‏:‏ الصّيغة القوليّة في البيع غير منحصرة في لفظ بعينه كبعت واشتريت بل هي كلّ ما أدّى معنى البيع، لأنّ الشّارع لم يخصّه بصيغة معيّنة فتناول كلّ ما أدّى معناه‏.‏

دلالة الصّيغة على الزّمن وأثر ذلك في العقد

7 - اتّفق الفقهاء على أنّ العقد ينعقد بصيغة الماضي، من غير توقّف على نيّة، لأنّ صيغة الماضي جعلت إيجاباص للحال في عرف أهل اللّغة والشّرع، والعرف قاض على الوضع‏.‏

لكن الفقهاء اختلفوا في انعقاد العقد بالصّيغة الدّالّة على الحال أو الاستقبال، ولذلك اختلفوا في انعقاد العقد بصيغة المضارع، لأنّ صيغة المضارع تحتمل الحال والاستقبال‏:‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى صحّة انعقاد العقد بصيغة المضارع لكن مع الرّجوع إلى النّيّة، يقول الكاسانيّ‏:‏ وأمّا صيغة الحال فهي أن يقول البائع للمشتري‏:‏ أبيع منك هذا الشّيء بكذا ونوى الإيجاب، فقال المشتري‏:‏ اشتريت، أو قال البائع‏:‏ أبيعه منك بكذا، وقال المشتري‏:‏ أشتريه ونويا الإيجاب فإنّ الرّكن يتمّ وينعقد العقد، وإنّما اعتبرنا النّيّة هنا وإن كانت صيغة أفعل للحال هو الصّحيح، لأنّه غلب استعمالها للاستقبال، إمّا حقيقةً أو مجازاً فوقعت الحاجة إلى التّعيين بالنّيّة‏.‏

وقريب من هذا مذهب المالكيّة، ففي الحطّاب‏:‏ إن أتى بصيغة المضارع فكلامه محتمل فيحلف على ما أراده‏.‏

ولا ينعقد بصيغة المضارع عند الحنابلة، لأنّه يعتبر وعداً‏.‏

وأمّا صيغة الأمر فعند المالكيّة وهو الأظهر عند الشّافعيّة ينعقد العقد بصيغة الأمر لدلالة ‏"‏ بعني ‏"‏ على الرّضا‏.‏

أمّا الحنفيّة فلا ينعقد العقد بصيغة الأمر عندهم لأنّ هذه الصّيغة للاستقبال، وهي مساومة حقيقيّة فلا تكون إيجاباً وقبولاً حقيقةً، بل هي طلب الإيجاب والقبول فلا بدّ للإيجاب والقبول من لفظ آخر يدلّ عليهما‏.‏

ويوضّح ابن قدامة مذهب الحنابلة فيقول‏:‏ إن تقدّم الإيجاب بلفظ الطّلب فقال بعني ثوبك فقال‏:‏ بعتك، ففيه روايتان‏:‏ إحداهما يصحّ، والثّانية لا يصحّ‏.‏

هذا في الجملة وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد‏)‏‏.‏

الصّريح والكناية في الصّيغة

8 - من الصّيغ ما هو صريح في الدّلالة على المراد فلا يحتاج إلى نيّة أو قرينة، لأنّ المعنى مكشوف عند السّامع كما يقول الكاسانيّ‏.‏

ومنها ما هو كناية، أي‏:‏ أنّه لا يدلّ على المراد إلاّ بالنّيّة أو القرينة، لأنّه كما يقول الشّبراملّسي‏:‏ يحتمل المراد وغيره، فيحتاج في الاعتداد به لنيّة المراد لخفائه‏.‏

واستعمال الكناية عند الفقهاء يأتي في الطّلاق والعتق والأيمان والنّذور وهذا - باتّفاق - ولكنّهم اختلفوا في انعقاد ما عدا ذلك من الالتزامات بالكنايات‏.‏

انظر مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد‏)‏‏.‏

شروط الصّيغة

9 - أ - أن تكون صادرةً ممّن هو أهل للتّصرّف فلا تصحّ تصرّفات المجنون والصّبيّ غير المميّز، وهذا في الجملة بالنّسبة لعقود المعاوضات كالبيع والإجارة‏.‏

ويزاد بالنّسبة للتّبرّعات أن يكون أهلاً للتّبرّع‏.‏ وهذا في الجملة كذلك، إذ من الفقهاء من أجاز وصيّة السّفيه والصّبيّ المميّز كالحنابلة وبعض الشّافعيّة‏.‏

وفي ذلك تفصيل من حيث تصرّف الوكيل والوليّ والفضوليّ وينظر تفصيل ذلك في أبوابه ويصحّ من الصّبيّ الذّكر والدّعاء، فقد أجاز جمهور الفقهاء أذان الصّبيّ المميّز ويصحّ إيمانه عند الحنفيّة‏.‏

ب - أن يقصد المتكلّم بالصّيغة لفظها مع المعنى المستعمل فيه اللّفظ إذ الجهل بمعنى اللّفظ مسقط لحكمه، ففي قواعد الأحكام‏:‏ إذا نطق الأعجميّ بكلمة كفر أو إيمان أو طلاق أو إعتاق أو بيع أو شراء أو صلح أو إبراء لم يؤاخذ بشيء من ذلك، لأنّه لم يلتزم مقتضاه، ولم يقصد إليه، وكذلك إذا نطق العربيّ بما يدلّ على هذه المعاني بلفظ أعجميّ لا يعرف معناه فإنّه لا يؤاخذ بشيء من ذلك، لأنّه لم يرده فإنّ الإرادة لا تتوجّه إلاّ إلى معلوم أو مظنون، وإن قصد العربيّ بنطق شيء من هذا الكلام مع معرفته بمعانيه نفذ ذلك منه‏.‏ ولو سبق لسانه بطلاق أو يمين دون قصد فهو لاغ، ولا يحنث بذلك لعدم قصده‏.‏

وذلك عند جمهور الفقهاء المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وعند الحنفيّة يقع طلاقه وينعقد يمينه، إذ القصد بالنّسبة لليمين والطّلاق ليس بشرط عندهم فالنّاسي والعامد والمخطئ والذّاهل في ذلك سواء‏.‏

واليمين اللّغو لا شيء فيها عند الفقهاء جميعاً مع اختلافهم في المراد باللّغو‏.‏

وهذا في اليمين باللّه خلافاً لليمين بالطّلاق والعتاق فإنّه لا لغو فيها فيقع يمينه‏.‏

أمّا لو قصد اللّفظ دون المعنى كالهازل واللاعب كمن خاطب زوجته بطلاق هازلاً أو لاعباً فإنّ طلاقه يقع، وكذلك ينعقد يمينه ونكاحه ورجعته وعتقه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ‏:‏ النّكاح والطّلاق والرّجعة «‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ » النّكاح والطّلاق والعتاق «‏.‏

وقال عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه‏:‏ أربع جائزة في كلّ حال‏:‏ العتق والطّلاق والنّكاح والنّذر‏.‏

وهذا باتّفاق في الجملة، وذلك أنّ الهازل أتى بالقول غير ملتزم لحكمه، وترتيب الأحكام على الأسباب إنّما هي للشّارع لا للعاقد، فإذا أتى بالسّبب لزمه حكمه شاء أم أبى، لأنّ ذلك لا يقف على اختياره، وذلك إنّ الهازل قاصد للقول مريد له مع علمه بمعناه وموجبه، وقصد اللّفظ المتضمّن للمعنى قصد لذلك المعنى لتلازمهما، ثمّ إنّ اللّعب والهزل في حقوق اللّه تعالى غير جائز، فيكون جدّ القول وهزله سواءً، بخلاف جانب العباد‏.‏

أمّا عقود الهازل كالبيع ونحوه فلا تصحّ عند الحنفيّة والحنابلة، وهي صحيحة عند الشّافعيّة في الأصحّ ولم نعثر للمالكيّة على رأي في عقود الهازل غير ما ذكر في النّكاح والطّلاق والعتاق‏.‏

وهذا في الجملة، وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏عقد - هزل‏)‏‏.‏

أمّا السّكران‏:‏ فإن كان سكره بسبب محظور بأن شرب الخمر أو النّبيذ طوعاً حتّى سكر وزال عقله فطلاقه واقع عند عامّة علماء الحنفيّة، قال الكاسانيّ‏:‏ وكذلك عند عامّة الصّحابة وذلك لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ‏}‏ إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ‏}‏، من غير فصل بين السّكران وغيره إلاّ من خصّ بدليل، ولأنّ عقله زال بسبب هو معصية فينزل كأنّ عقله قائم، عقوبةً عليه وزجراً له عن ارتكاب المعصية‏.‏

وذكر ابن نجيم في الأشباه أنّ السّكران من محرّم كالصّاحي إلاّ في ثلاث‏:‏ الرّدّة والإقرار بالحدود الخالصة والإشهاد على نفسه‏.‏

والقول بصحّة تصرّفات السّكران إذا كان قد أدخل السّكر على نفسه هو المذهب عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وفي قول عند الشّافعيّة لا يصحّ شيء من تصرّفاته، وهو قول الطّحاويّ والكرخيّ من الحنفيّة، والقول الثّالث عند الشّافعيّة أنّه يصحّ ما عليه ولا يصحّ ما له فعلى هذا يصحّ بيعه وهبته ولا يصحّ اتّهابه وتصحّ ردّته دون إسلامه‏.‏

وعن الإمام أحمد أنّه فيما يستقلّ به مثل عتقه وقتله وغيرهما كالصّاحي، وفيما لا يستقلّ به مثل بيعه ونكاحه ومعاوضته كالمجنون‏.‏

أمّا المالكيّة فإنّهم يميّزون بين من عنده نوع تمييز ومن زال عقله فأصبح كالمجنون، فمن زال عقله لا يؤاخذ بشيء أصلاً، أمّا من عنده وقوع تمييز فقد قال ابن نافع‏:‏ يجوز عليه كلّ ما فعل من بيع وغيره وتلزمه الجنايات والعتق والطّلاق والحدود، ولا يلزمه الإقرار والعقود، وهو مذهب مالك، وعامّة أصحابه‏.‏

أمّا من زال عقله بسبب يعذر فيه كمن شرب البنج أو الدّواء الّذي يسكر وزال عقله فلا يقع طلاقه ولا تصحّ تصرّفاته لأنّه يقاس على المجنون الّذي رفع عنه القلم‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏عقد - سكر‏)‏‏.‏

ج - أن تصدر الصّيغة عن اختيار، فلو كان مكرهاً فعند الحنفيّة ما لا يحتمل الفسخ، وهو الطّلاق، والعتاق، والرّجعة، والنّكاح، واليمين، والنّذر، والظّهار، والإيلاء، والتّدبير، والعفو عن القصاص، فهذه التّصرّفات جائزة مع الإكراه لعمومات النّصوص، وإطلاقها يقتضي شرعيّة هذه التّصرّفات من غير تخصيص وتقييد‏.‏

أمّا التّصرّفات الّتي تحتمل الفسخ كالبيع والهبة والإجارة ونحوها فالإكراه يوجب فساد هذه التّصرّفات، وعند زفر يوجب توقّفها على الإجازة‏.‏

ويحكم بإسلام الكافر إذا أكره على الإسلام، ولا يحكم بكفر المسلم إذا أكره على إجراء كلمة الكفر فأجرى وأخبر أنّ قلبه كان مطمئنّاً بالإيمان‏.‏

وعند المالكيّة لا يلزم المكره ما أكره عليه من التّصرّفات القوليّة كالطّلاق والنّكاح والعتق والإقرار واليمين وكذا سائر العقود كالبيع والإجارة والهبة ونحو ذلك‏.‏

وأمّا الإكراه على كلمة الكفر فلا يجوز الإقدام على ذلك إلاّ خشية القتل‏.‏

والحكم عند الشّافعيّة والحنابلة كالحكم عند المالكيّة في عدم صحّة التّصرّفات القوليّة مع الإكراه عملاً بحديث‏:‏ » رفع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه «‏.‏

وحديث‏:‏ » لا طلاق ولا عتاق في إغلاق «‏.‏

إلاّ أنّ الحنابلة استثنوا النّكاح فيصحّ مع الإكراه‏.‏

ما يقوم مقام الصّيغة

10 - حين تطلق الصّيغة فالمراد بها عند الفقهاء‏:‏ الألفاظ والعبارات الدّالّة على التّصرّف، ذلك أنّ القول هو الأصل في التّعبير عمّا يريده الإنسان، إذ هو من أوضح الدّلالات على ما في النّفوس‏.‏

ويقوم مقام الصّيغة في التّعبير عن المراد الكتابة أو الإشارة‏.‏

وبيان ذلك إجمالاً فيما يلي‏:‏

أ - الكتابة‏:‏

11 - الكتابة تقوم مقام اللّفظ في التّصرّفات ويتّفق الفقهاء على صحّة العقود وانعقادها بالكتابة، والكتابة الّتي تقوم مقام اللّفظ هي‏:‏ الكتابة المستبينة المرسومة كالكتابة على الصّحيفة أو الحائط أو الأرض، أمّا الكتابة الّتي لا تقرأ كالكتابة على الماء أو الهواء فلا ينعقد بها أي تصرّف‏.‏

وإنّما تصحّ التّصرّفات بالكتابة المستبينة لأنّ القلم أحد اللّسانين كما يقول الفقهاء فنزلت الكتابة منزلة اللّفظ، وقد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بتبليغ الرّسالة وكان في حقّ البعض بالقول وفي حقّ آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف‏.‏

واعتبر الشّافعيّة الكتابة من باب الكناية فتنعقد بها العقود مع النّيّة‏.‏

واستثنى جمهور الفقهاء من صحّة التّصرّفات بالكتابة عقد النّكاح فلا ينعقد بالكتابة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، بل إنّ المالكيّة يقولون إنّ النّكاح يفسخ مطلقاً - قبل الدّخول وبعده - وإن طال، كما لو اختلّ ركن كما لو زوّجت المرأة نفسها بلا وليّ أو لم تقع الصّيغة بقول بل بكتابة أو إشارة أو بقول غير معتبر شرعاً‏.‏

أمّا الحنفيّة فإنّ النّكاح ينعقد عندهم بالكتابة كسائر العقود‏.‏

وأجاز المالكيّة والحنابلة النّكاح بالكتابة من الأخرس فينعقد نكاحه بالكتابة للضّرورة‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏تعبير، وخرس‏)‏‏.‏

ب - الإشارة‏:‏

12 - ممّا يقوم مقام الصّيغة في التّصرّفات الإشارة‏.‏

قال الزّركشيّ‏:‏ إشارة الأخرس في العقود والحلول والدّعاوى والأقارير وغيرها كعبارة النّاطق، قال الإمام عنه في ‏"‏ الأساليب ‏"‏ وكان السّبب فيه أنّ الإشارة فيها بيان، ولكن الشّارع تعبّد النّاطقين بالعبارة، فإذا عجز الأخرس بخرسه عن العبارة أقامت الشّريعة إشارته مقام عبارته‏.‏

ويوضّحه أنّ النّاطق لو أشار بعقد أو فسخ لم يعتدّ به فإذا خرس اعتدّ به فدلّ على أنّ المعنى المعتبر في قيام الإشارة مقام العبارة الضّرورة، وأنّه أتى بأقصى ما يقدر عليه في البيان‏.‏

هذا مع اختلاف الفقهاء في اشتراط قبول الإشارة من الأخرس العاجز عن الكتابة، كما اختلفوا في إشارة غير الأخرس وهل تقبل كنطقه أم لا‏؟‏‏.‏

وينظر تفصيل ذلك في بحث ‏(‏إشارة – ف 5‏)‏‏.‏

ج - الفعل‏:‏

13 - قد يقوم الفعل مقام الصّيغة في بعض التّصرّفات، ومن أهمّ ما ورد في ذلك عند الفقهاء التّعاطي في العقود فأجاز جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - البيع بالتّعاطي وهو قول للشّافعيّة، كما أجاز جمهور الفقهاء الإقالة والإجارة بالتّعاطي‏.‏

وقد سبق تفصيل ذلك في بحث‏:‏ ‏(‏تعاطي - ف 3‏.‏‏)‏

أثر العرف في دلالة الصّيغة على المقصود

14 - للعرف أثر في دلالة الصّيغة على المراد، ومراعاة حمل الصّيغة على العرف له أثر في الأحكام الاجتهاديّة الّتي لا نصّ فيها والّتي بنيت أساساً على الأعراف الّتي كانت سائدةً‏.‏ يقول ابن القيّم‏:‏ ممّا تتغيّر به الفتوى لتغيّر العرف والعادة مثل‏:‏ موجبات الأيمان والإقرار والنّذور وغيرها، فمن ذلك أنّ الحالف إذا حلف‏:‏ لا ركبت دابّةً، وكان في بلد عرفهم في لفظ الدّابّة الحمار خاصّةً اختصّت يمينه به، ولا يحنث بركوب الفرس ولا الجمل، وإن كان عرفهم في لفظ الدّابّة الفرس خاصّةً حملت يمينه عليها دون الحمار، وكذلك إن كان الحالف ممّن عادته ركوب نوع خاصّ من الدّوابّ كالأمراء ومن جرى مجراهم حملت يمينه على ما اعتاده من ركوب الدّوابّ، ويفتى كلّ بلد بحسب عرف أهله، ويفتى كلّ أحد بحسب عادته، وكذلك إذا حلف لا أكلت رأساً في بلد عادتهم أكل رؤوس الضّأن خاصّةً، لم يحنث بأكل رؤوس الطّير والسّمك ونحوها‏.‏

وإذا أقرّ الملك أو أغنى أهل البلد لرجل بمال كثير لم يقبل تفسيره بالدّرهم والرّغيف ونحوه ممّا يتموّل، فإن أقرّ به فقير يعدّ عنده الدّرهم والرّغيف كثيراً قبل منه‏.‏

وقد عقد العزّ بن عبد السّلام فصلاً كاملاً في كتابه قواعد الأحكام في مصالح الأنام تحت عنوان‏:‏ ‏"‏ فصل في تنزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح الأقوال في تخصيص العموم وتقييد المطلق وغيرها ‏"‏، وأورد في ذلك ثلاثاً وعشرين مسألةً‏.‏

ونقل ابن عابدين عن فتاوى العلامة قاسم‏:‏ التّحقيق أنّ لفظ الواقف والموصي والحالف والنّاذر، وكلّ عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته الّتي يتكلّم بها، وافقت لغة العرب ولغة الشّارع أو لا‏.‏

ويقول الغزاليّ في المستصفى‏:‏ ‏"‏‏.‏‏.‏‏.‏ وعلى الجملة فعادة النّاس تؤثّر في تعريف مرادهم من ألفاظهم ‏"‏‏.‏

ونظيره عند المالكيّة ما أورده القرافيّ في فروقه‏.‏

أثر الصّيغة

15 - أثر الصّيغة‏:‏ هو ما يترتّب عليها من أحكام، وهو المقصد الأصليّ للصّيغة، إذ المراد من الصّيغة التّعبير عمّا يلتزم به الإنسان من ارتباط مع الغير، كصيغ العقود من بيع وإجارة وصلح ونكاح وغير ذلك، أو ارتباط مع اللّه سبحانه وتعالى، والتّقرّب إليه كالنّذر والذّكر، أو التّعبير عمّا هو في الذّمّة، أو لدى الغير من حقوق كالإقرارات‏.‏

وعلى ذلك فالصّيغة متى استوفت شرائطها ترتّب عليها ما تضمّنته، ففي البيع مثلاً يثبت الملك للمشتري في المبيع وللبائع الثّمن للحالّ مع وجوب تسليم البدلين‏.‏

وفي الإجارة يثبت الملك في المنفعة للمستأجر وفي الأجرة المسمّاة للآجر‏.‏

وفي الهبة يثبت الملك للموهوب له في الموهوب من غير عوض‏.‏

وفي النّكاح يثبت حلّ الاستمتاع لكلّ من الزّوجين بالآخر وحلّ النّظر والمسّ وغير ذلك، ويجب المهر، كما يجب في النّذور والأيمان الوفاء والبرّ‏.‏‏.‏ وهكذا‏.‏

والصّيغة الّتي تصدر من الإنسان متى استوفت شرائطها كانت هي الأساس الّذي يعتمد عليه القاضي في صدور الأحكام، ولو كان الواقع خلاف ذلك، ومن ذلك حديث عويمر العجلانيّ لمّا وضعت امرأته الّتي لوعنت، ولداً يشبه الّذي رميت به، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لولا الأيمان لكان لي ولها شأن « يعني لولا ما قضى اللّه من ألاّ يحكم على أحد إلاّ باعتراف على نفسه أو بيّنة، ولم يعرض النّبيّ صلى الله عليه وسلم لشريك ولا للمرأة، وأنفذ الحكم وهو يعلم أنّ أحدهما كاذب ثمّ علم بعد أنّ الزّوج هو الصّادق‏.‏

وفي حديث أمّ سلمة‏:‏ » أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سمع خصومةً بباب حجرته فخرج إليهم فقال‏:‏ إنّما أنا بشر وإنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنّه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النّار فليأخذها أو ليتركها «‏.‏

قال الشّافعيّ لمّا تكلّم على الحديث‏:‏ في الحديث أنّ الحكم بين النّاس يقع على ما يسمع من الخصمين بما لفظوا به، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك، وأنّه لا يقضي على أحد بغير ما لفظ به، فمن فعل ذلك فقد خالف كتاب اللّه وسنّة نبيّه، مثل هذا قضاؤه صلى الله عليه وسلم لعبد بن زمعة بابن الوليدة، فلمّا رأى الشّبه بيّناً بعتبة قال‏:‏ » احتجبي منه يا سودة «‏.‏

وقال ابن فرحون‏:‏ الحاكم إنّما يحكم بما ظهر وهو الّذي تعبّد به، ولا ينقل الباطن عند من علمه عمّا هو عليه من التّحليل والتّحريم، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ » إنّما أنا بشر وإنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجّته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع فمن قضيت له من حقّ أخيه شيئًا فلا يأخذه، فإنّما أقطع له قطعةً من النّار «‏.‏

قال ابن فرحون‏:‏ وهذا إجماع من أهل العلم في الأموال، واختلفوا في انعقاد النّكاح أو حلّ عقده بظاهر ما يقضي به الحاكم وهو خلاف الباطن، فذهب مالك والشّافعيّ وجمهور أهل العلم إلى أنّ الأموال والفروج في ذلك سواء، لأنّها حقوق كلّها تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فلا يأخذه «‏.‏ فلا يحلّ منها القضاء الظّاهر ما هو حرام في الباطن‏.‏

وقال أبو يوسف وأبو حنيفة، وكثير من فقهاء المالكيّة على ما حكى عنهم ابن عبد البرّ‏:‏ إنّما ذلك في الأموال خاصّةً، فلو أنّ رجلين تعمّدا الشّهادة بالزّور على رجل أنّه طلّق امرأته فقبل القاضي شهادتهما لظاهر عدالتهما، وهما قد تعمّدا الكذب أو غلطا ففرّق القاضي بشهادتهما بين الرّجل وامرأته، ثمّ اعتدّت المرأة فإنّه جائز لأحد الشّاهدين أن يتزوّج لأنّها لمّا حلّت للأزواج بالحكم الظّاهر، فالظّاهر، وغيره سواء، واحتجّوا بحكم اللّعان وقالوا‏:‏ معلوم أنّ الزّوجة إنّما وصلت إلى فراق زوجها باللّعان الكاذب ونقل ابن حجر في فتح الباري عن الطّحاويّ ما يشبه هذا التّفصيل‏.‏

وقد قسّم ابن القيّم الألفاظ بالنّسبة إلى مقاصد المتكلّمين ونيّاتهم وإراداتهم لمعانيها ثلاثة أقسام‏.‏

القسم الأوّل

16 - أن تظهر مطابقة القصد للّفظ، وللظّهور مراتب تنتهي إلى اليقين والقطع بمراد المتكلّم بحسب الكلام في نفسه، وما يقترن به من القرائن الحاليّة واللّفظيّة وحال المتكلّم به وغير ذلك‏.‏

القسم الثّاني

17 - ما يظهر بأنّ المتكلّم لم يرد معناه، وقد ينتهي هذا الظّهور إلى حدّ اليقين بحيث لا يشكّ السّامع فيه، هذا القسم نوعان‏:‏

أحدهما‏:‏ ألاّ يكون مريداً لمقتضاه، ولا لغيره وذلك كالمكره، والنّائم، والمجنون، ومن اشتدّ به الغضب، والسّكران‏.‏

والثّاني‏:‏ أن يكون مريداً لمعنىً يخالفه وذلك كالمعرّض والمورّي والملغز والمتأوّل‏.‏

القسم الثّالث

18 - ما هو ظاهر في معناه ويحتمل إرادة المتكلّم له، ويحتمل إرادة غيره ولا دلالة على واحد من الأمرين، واللّفظ دالّ على المعنى الموضوع له، وقد أتى به اختياراً‏.‏

ثمّ بيّن ابن القيّم ما يحمل على ظاهره من هذه الأقسام، وما لا يحمل على ظاهره، وما يحمل على غير ظاهره فقال‏:‏ إذا ظهر قصد المتكلّم لمعنى الكلام، أو لم يظهر قصد يخالف كلامه وجب حمل كلامه على ظاهره، وهذا حقّ لا ينازع فيه عالم، وقد ذكر الشّافعيّ على ذلك أدلّةً كثيرةً، وإذا عرف هذا فالواجب حمل كلام اللّه تعالى، ورسوله وحمل كلام المكلّف على ظاهره الّذي هو ظاهره، وهو الّذي يقصد من اللّفظ عند التّخاطب ولا يتمّ التّفهيم والفهم إلاّ بذلك، ومدّعي غير ذلك على المتكلّم القاصد للبيان والتّفهيم كاذب عليه‏.‏

قال ابن القيّم‏:‏ وإنّما النّزاع في الحمل على الظّاهر حكماً بعد ظهور مراد المتكلّم والفاعل بخلاف ما أظهره، فهذا هو الّذي وقع فيه النّزاع وهو‏:‏ هل الاعتبار بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد والنّيّات بخلافها‏؟‏ أم للقصود والنّيّات تأثير يوجب الالتفات إليها ومراعاة جانبها‏؟‏

وقد تظاهرت أدلّة الشّرع وقواعده على أنّ القصود في العقود معتبرة، وأنّها تؤثّر في صحّة العقد وفساده، وفي حلّه، وحرمته، بل أبلغ من ذلك، وهي‏:‏ أنّها تؤثّر في الفعل الّذي ليس بعقد تحليلاً وتحريماً فيصير حلالاً تارةً وحراماً تارةً أخرى باختلاف النّيّة، والقصد، كما يصير صحيحاً تارةً، وفاسداً تارةً باختلافها، وهذا كالرّجل يشتري الجارية ينوي أن تكون لموكّله فتحرم على المشتري، وينوي أنّها له فتحلّ له‏.‏

ثمّ بعد أن يوضّح ابن القيّم أنّ العبرة في العقود القصد دون اللّفظ المجرّد يقول‏:‏ وهذه الأقوال إنّما تفيد الأحكام إذا قصد المتكلّم بها ما جعلت له، وإذا لم يقصد بها ما يناقض معناها، وهذا فيما بينه وبين اللّه تعالى، فأمّا في الظّاهر فالأمر محمول على الصّحّة، وإلاّ لما تمّ عقد ولا تصرّف فإذا قال‏:‏ بعت أو تزوّجت كان هذا اللّفظ دليلاً على أنّه قصد معناه المقصود به وجعله الشّارع بمنزلة القاصد إن كان هازلاً، وباللّفظ والمعنى جميعاً يتمّ الحكم، فكلّ منهما جزء السّبب وهما مجموعه، وإن كانت العبرة في الحقيقة بالمعنى، واللّفظ دليل، ولهذا يصار إلى غيره عند تعذّره، وهذا شأن عامّة أنواع الكلام‏.‏

ضَأْن

انظر‏:‏ غنم

ضَائِع

التّعريف

1 - الضّائع في اللّغة‏:‏ من ضاع الشّيء يضيع ضَيْعاً وضِيعاً وضَياعاً وضياعاً - بكسر الضّاد وفتحها فيهما - إذا فقد وهلك وتلف وصار مهملاً‏.‏

والضّيعة‏:‏ العقار والجمع ضياع وضيع‏.‏

وخصّ أهل اللّغة لفظ ‏"‏ ضائع ‏"‏ بغير الحيوان كالعيال والمال، يقال‏:‏ أضاع الرّجل عياله وماله، وضيّعهم إضاعةً فهو مضِيّع ومضَيّع بكسر الضّاد وفتحها‏.‏

والمعنى الاصطلاحيّ لا يخرج عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الضّالّة‏:‏

2 - في اللّغة‏:‏ الضّالّة الحيوان الضّائع وعرّف الفقهاء الضّالّة بأنّها‏:‏ نعم وجد بغير حرز محترم‏.‏

ب - اللّقطة‏:‏

3 - اللّقطة‏:‏ المال الضّائع من ربّه يلتقطه غيره أو الشّيء الّذي يجده المرء ملقىً فيأخذه أمانةً‏.‏

والفرق بين المال الملقوط والمال الضّائع‏:‏ أنّ الأوّل يعرف مالكه، أمّا الثّاني فلا، كما أنّ اللّقطة يخصّ إطلاقها بالمال أو الاختصاص المحترم، أمّا الضّائع فيطلق على الأموال والأشخاص‏.‏

الحكم الإجمالي

يتعلّق بالضّائع جملة من الأحكام الفقهيّة ومنها‏:‏

أ - ضياع المال بعد وجوب الزّكاة‏:‏

4 - من وجبت عليه الزّكاة فلم يخرجها حتّى ضاع المال فعند جمهور الفقهاء إن كان ضياعه بتفريطه أو فرّط في الإخراج بعد التّمكّن وجبت عليه الزّكاة‏.‏

وللتّفصيل ينظر‏:‏ ‏(‏زكاة ف 139‏)‏‏.‏

ب - ما يجمع في بيت الضّوائع‏:‏

5 - من أقسام بيت المال بيت الضّوائع، وتجمع فيه الأموال الضّائعة ونحوها من لقطة لا يعرف صاحبها أو مسروق لا يعلم صاحبه، فتحفظ محرزةً لأصحابها، فإن حصل اليأس من معرفتهم صرف في وجهه‏.‏

وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏بيت المال ف 10‏)‏‏.‏

ج - ضمان المال الضّائع‏:‏

6 - اعتبر الفقهاء إضاعة المال صورةً من صور الإتلاف الموجب للضّمان في كثير من أوجه المعاملات‏:‏ كالعاريّة الوديعة والرّهن واللّقطة مع اختلاف بينهم في التّفصيل، وذلك لأنّ إضاعة المال نوع من الإهمال المفضي إلى ضياع الحقوق على أصحابها‏.‏

وللتّفصيل انظر المصطلحات التّالية‏:‏ ‏(‏إتلاف ف 28 و 53 وإعارة ف 15، وضمان، ولقطة‏)‏‏.‏

ضالّة

التّعريف

1 - الضّالّة في اللّغة من ضلّ الشّيء‏:‏ خفي وغاب، وأضللت الشّيء - بالألف - إذا ضاع منك، فلم تعرف موضعه‏:‏ كالدّابّة والنّاقة وما أشبههما، فإن أخطأت موضع الشّيء الثّابت كالدّار قلت‏:‏ ضللته وضلّلته، ولا تقل‏:‏ أضللته بالألف‏.‏

والضّالّة بالتّاء‏:‏ الحيوان الضّائع، يطلق على الذّكر والأنثى، والاثنين والجمع، وتجمع على ضوالّ، مثل‏:‏ دابّة ودوابّ، ويقال لغير الحيوان‏:‏ ضائع، ولقطة، والضّالّ بدون التّاء‏:‏ الإنسان‏.‏

وقد تطلق الضّالّة على المعاني، ومنه حديث‏:‏ » الكلمة الحكمة ضالّة المؤمن « أي لا يزال يتطلّبها كما يتطلّب الرّجل ضالّته‏.‏

ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ الضّالّة عن المعنى اللّغويّ‏.‏

ففي الاختيار‏:‏ الضّالّة‏:‏ الدّابّة تضلّ الطّريق إلى مربطها، وفي كشّاف القناع‏:‏ الضّالّة‏:‏ اسم حيوان خاصّةً، وفي الموّاق بهامش الحطّاب‏:‏ الضّالّة‏:‏ نعم وجد بغير حرز محترماً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

اللّقطة‏:‏

2 - في اللّغة‏:‏ يقال‏:‏ لقطت الشّيء لقطاً من باب قتل‏:‏ أخذته‏.‏

واللّقطة شرعاً - كما عرّفها بعض الفقهاء -‏:‏ ما يوجد مطروحاً على الأرض ممّا سوى الحيوان من الأموال لا حافظ له، وهذا هو تعريف الموصليّ‏.‏

ومثله تعريف ابن عرفة من المالكيّة، قال‏:‏ اللّقطة‏:‏ مال وجد بغير حرز محترماً، ليس حيواناً ناطقاً ولا نعماً‏.‏

أمّا الشّافعيّة والحنابلة فيطلقون لفظ اللّقطة على الحيوان وغير الحيوان‏.‏

وعلى هذا، فإنّ بعض الفقهاء يفرّق بين اللّقطة والضّالّة‏:‏ باعتبار أنّ اللّقطة تطلق على غير الحيوان، والضّالّة تطلق على الحيوان، وبعضهم يطلق لفظ اللّقطة على الجميع‏.‏

الحكم الإجمالي

3 - الضّوالّ الّتي تمتنع من صغار السّباع لقوّتها وكبر جثّتها - كالإبل والبقر والخيل والبغال - أو تمتنع لسرعة عدوها كالظّباء أو تمتنع لطيرانها، هذه الضّوالّ إن كانت في الصّحراء فإنّه يحرم أخذها للتّملّك، وهذا عند الشّافعيّة والحنابلة، وذلك لحديث زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله تعالى عنه‏:‏ » سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ضالّة الإبل فقال‏:‏ مالك ولها، دعها، فإنّ معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشّجر حتّى يجدها ربّها «‏.‏

إلاّ أنّه يجوز لوليّ الأمر أخذها على وجه الحفظ لربّها، لا على أنّها لقطة، فإنّ عمر رضي الله تعالى عنه حمى موضعاً يقال له‏:‏ النّقيع لخيل المجاهدين والضّوالّ، ولأنّ للإمام نظراً في حفظ مال الغائب، وفي أخذ الضّوالّ حفظ لها عن الهلاك، ولا يلزم الإمام تعريفها، لأنّ عمر رضي الله تعالى عنه لم يكن يعرّف الضّوالّ، ومن كانت له ضالّة فإنّه يجيء إلى موضع الضّوالّ، فإذا عرف ضالّته أقام البيّنة وأخذها، لكن قال السّبكيّ من الشّافعيّة‏:‏ إن لم يخش على الضّالّة الضّياع فلا يتعرّض لها وليّ الأمر، بل جزم الأذرعيّ بتركها عند اكتفائها بالرّعي والأمن عليها‏.‏

كما أجاز الشّافعيّة في الأصحّ لغير وليّ الأمر أخذها للحفظ لربّها إذا خشى عليها من أخذ خائن، فإذا أمن عليها امتنع أخذها قطعاً، فإذا أخذها ضمنها لربّها، ولا يبرأ إلاّ بردّها للحاكم، لكن هذا إذا لم يعرف صاحبها، وإلاّ جاز له أخذها، وتكون أمانةً في يده‏.‏

أمّا زمن النّهب والفساد فيجوز التقاطها للتّملّك في الصّحراء وغيرها‏.‏

ويضمن كذلك - عند الحنابلة - من أخذ ما حرّم التقاطه من الضّوالّ إن تلف أو نقص، لعدم إذن الشّارع فيه، فإن كتمه عن ربّه ثمّ ثبت بإقرار أو بيّنة فتلف فعليه قيمته مرّتين لربّه نصّاً، لحديث‏:‏ » وفي الضّالّة المكتومة غرامتها ومثلها معها « وهذا حكم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلا يردّ‏.‏

ويزول الضّمان بردّ الضّالّة إلى ربّها إن وجده، أو دفعها إلى الإمام إن لم يجد ربّها، أو ردّها إلى مكانها إن أمره الإمام بذلك‏.‏

هذا بالنّسبة للضّوالّ الّتي بالصّحراء والممتنعة من صغار السّباع، أمّا إن وجدت بقرية‏:‏ فعند الشّافعيّة في الأصحّ يجوز التقاطها للتّملّك، لأنّ في العمران يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه، بخلاف المفازة فإنّ طروقها لا يعمّ، ومقابل الأصحّ‏:‏ المنع لإطلاق الحديث، ولم يفرّق الحنابلة في الحكم بين الصّحراء وغيرها‏.‏

4 - أمّا الضّوالّ الّتي لا تمتنع من صغار السّباع - كالشّاة والفصيل - فإنّه يجوز التقاطها، سواء كانت في الصّحراء أو في العمران، وذلك صوناً لها عن الخونة والسّباع، وذلك عند الشّافعيّة والحنابلة، قال ابن قدامة‏:‏ إذا وجد الشّاة بمصر أو بمهلكة فإنّه يباح أخذها والتقاطها، هذا الصّحيح من مذهب أحمد، وقول أكثر أهل العلم، قال ابن عبد البرّ‏:‏ أجمعوا على أنّ ضالّة الغنم في الموضع المخوف عليها له أكلها، وكذلك الحكم في كلّ ما لا يمتنع من صغار السّباع، كفصلان الإبل وعجول البقر وأفلاء الخيل، والدّجاج والإوزّ ونحوها يجوز التقاطه، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا سئل عن الشّاة‏:‏ » خذها فإنّما هي لك، أو لأخيك أو للذّئب « ولأنّه يخشى عليه التّلف والضّياع فأشبه لقطة غير الحيوان، ولا فرق بين أن يجدها في مصر أو مهلكة، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » خذها « ولم يفرّق ولم يستفصل، ولو افترق الحال لسأل واستفصل، ولأنّها لقطة فاستوى فيها المصر والصّحراء، كسائر اللّقطات‏.‏

وروي عن الإمام أحمد رواية أخرى‏:‏ أنّه لا يجوز لغير الإمام التقاطها، وقال اللّيث بن سعد‏:‏ لا أحبّ أن يقربها إلاّ أن يحرزها لصاحبها لأنّه حيوان أشبه الإبل، إلاّ أنّ جواز الأخذ مقيّد عند الحنابلة بما إذا أمن نفسه على اللّقطة، وقوي على تعريفها، أمّا من لم يأمن نفسه عليها فلا يجوز له أخذها‏.‏

ويتخيّر أخذ هذا النّوع بين ثلاث خصال‏:‏

أ - أن يحفظه لربّه، ويعرّفه وينفق عليه مدّة التّعريف، ويتملّكه بعد التّعريف إن لم يجد ربّه‏.‏

ب - أن يبيعه ويحفظ الثّمن لربّه، ثمّ يعرّف الضّالّة الّتي باعها، ويتملّك الثّمن إن لم يجد ربّ الضّالّة‏.‏

ج - أن يأكله ويغرم قيمته إن ظهر مالكه، لحديث‏:‏ » هي لك أو لأخيك أو للذّئب «‏.‏

لكن التّخيير بين هذه الخصال إنّما هو بالنّسبة للضّوالّ الّتي أخذت من الصّحراء، فإن أخذت من العمران فالتّخيير بين الخصلتين الأوليين، أي‏:‏ الحفظ أو البيع، وليس له الأكل في الأظهر‏.‏

ومقابل الأظهر‏:‏ له الأكل وهذا عند الشّافعيّة‏.‏

5- وذهب الحنفيّة إلى أنّه يندب التقاط البهيمة الضّالّة للحفظ لربّها، لأنّها لقطة يتوهّم ضياعها، فيستحبّ أخذها وتعريفها صيانةً لأموال النّاس، كالشّاة، وأمّا قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في ضالّة الإبل‏:‏ » مالك ولها، معها سقاؤها وحذاؤها، ترد الماء وتأكل الشّجر حتّى يلقاها ربّها « فقد قال السّرخسيّ في المبسوط‏:‏ إنّ ذلك كان إذ ذاك لغلبة أهل الصّلاح والأمانة لا تصل إليها يد خائنة، فإذا تركها وجدها، وأمّا في زماننا فلا يأمن وصول يد خائنة إليها بعده، ففي أخذها إحياؤها وحفظها على صاحبها فهو أولى، فإن غلب على ظنّه ضياعها وجب التقاطها، وهذا حقّ، للقطع بأنّ مقصود الشّارع وصولها إلى ربّها وأنّ ذلك طريق الوصول، لأنّ الزّمان إذا تغيّر وصار طريق التّلف تغيّر الحكم بلا شكّ، وهو الالتقاط للحفظ‏.‏

ويؤيّد هذا ما روي عن عياض بن حمار رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في اللّقطة‏:‏ » فإن وجد صاحبها فليردّها عليه، وإلاّ فهو مال اللّه عزّ وجلّ يؤتيه من يشاء«‏.‏

ولم يفرّق الحنفيّة بين الشّاة وغيرها في الحكم، كما أنّهم لم يفرّقوا بين الصّحراء والعمران‏.‏

6- وللمالكيّة تفصيل يختلف عن المذاهب الأخرى، وذلك على النّحو التّالي‏:‏

أوّلاً‏:‏ الضّالّة إذا كانت في الصّحراء‏:‏

أ - ضالّة الإبل في الصّحراء لا يجوز أخذها، ولو كانت في موضع يخاف عليها من السّباع أو الجوع أو العطش، لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » دعها فإنّ معها حذاءها وسقاءها، ترد الماء وتأكل الشّجر « فإن تعدّى وأخذها فإنّه يعرّفها سنةً ثمّ يتركها بمحلّها، لكن إذا خاف عليها من خائن وجب التقاطها وتعريفها‏.‏

ب - ضالّة البقر في الصّحراء إذا كان لا يخشى عليها من السّباع أو الجوع أو العطش أو السّارق فإنّها تترك، ولا يجوز أخذها‏.‏

وإن كان يخشى عليها من السّارق فقط وجب التقاطها، وإن كان يخشى عليها من السّباع أو الجوع أو العطش فإنّه يأخذها، فإن أمكن سوقها للعمران وجب سوقها، وإن لم يمكن سوقها للعمران جاز له ذبحها وأكلها، ولا ضمان عليه‏.‏

فالإبل والبقر عند خوف السّارق سيّان في وجوب الالتقاط، أمّا عند الخوف من الجوع أو السّباع فإنّ الإبل تترك، والبقر يجوز أكلها بالصّحراء إن تعذّر سوقها للعمران‏.‏

ج - الشّاة يجوز أخذها وأكلها بالصّحراء إذا لم يتيسّر حملها أو سوقها للعمران على المعتمد، وقيل بجواز أكلها في الصّحراء ولو من تيسّر سوقها للعمران، وهو ظاهر المدوّنة‏.‏

وإن أتى بها حيّةً للعمران وجب تعريفها لأنّها صارت كاللّقطة، ولو ذبحها في الصّحراء ولم يأكلها حتّى دخل العمران فلا يجوز له أكلها إلاّ إذا لم يعرف ربّها، ولم يتيسّر بيعها‏.‏

ثانياً‏:‏ الضّالّة إذا كانت في العمران‏:‏

إذا كانت الضّالّة في العمران فإنّه يجب التقاطها عند خوف الخائن، دون تفريق بين إبل وخيل وبقر وغير ذلك‏.‏

هذا وللتّفصيل ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏لقطة‏)‏

ضَبّ

انظر‏:‏ أطعمة

ضَبَّة

انظر‏:‏ آنية

ضَبْع

انظر‏:‏ أطعمة